بسم الله الرحمن الرحيم...
دأب معظم الذين يكتبون أو يتحدثون في حقوق الإنسان على تقسيم ما يسمونه بحق الحرية ، إلى الحرية السياسية ، والحرية الاقتصادية ، والحرية الاجتماعية ، وربما إلى حرية الدين أو حرية الاعتقاد أيضاً، وقد رأينا أن نجمل هذه الأقسام كلها في بحث واحد ، وهذا هو الذي اقتضى التعبير في هذا العنوان بكلمة حقوق ، بدلاً من كلمة : حقها ،
و ذلك لأن الحرية إذا فُهمت على حقيقتها ، و فُهمت علاقة الإنسان بها ضمن حدود وقيود كانت مزية مشتركة في الكم والكيف بين الرجل والمرأة ، ولسوف يتضح أيضاً أن هذه المزية لا تتجزأ مع تجزأ الأنشطة أو مصالح الإنسانية ، فلا فرق بين أن يمارس الإنسان الحرية التي يتمتع بها في نشاط سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي .
فالمهم هو أن نعلم – من حيث المبدأ – مدى الحرية التي يقر بها الشارع جل جلاله للإنسان أياً كان،
ونقول : إن أحكام الشارع جل جلاله لها نظرات وأحكام مختلفة ، وذلك احترازاً عن الأعراف والأنظمة الوضعية ، ولكي نفهم ذلك لا بد لنا من فهم النقاط التالية :
و ذلك لأن الحرية إذا فُهمت على حقيقتها ، و فُهمت علاقة الإنسان بها ضمن حدود وقيود كانت مزية مشتركة في الكم والكيف بين الرجل والمرأة ، ولسوف يتضح أيضاً أن هذه المزية لا تتجزأ مع تجزأ الأنشطة أو مصالح الإنسانية ، فلا فرق بين أن يمارس الإنسان الحرية التي يتمتع بها في نشاط سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي .
فالمهم هو أن نعلم – من حيث المبدأ – مدى الحرية التي يقر بها الشارع جل جلاله للإنسان أياً كان،
ونقول : إن أحكام الشارع جل جلاله لها نظرات وأحكام مختلفة ، وذلك احترازاً عن الأعراف والأنظمة الوضعية ، ولكي نفهم ذلك لا بد لنا من فهم النقاط التالية :
من الواضح أننا لا نعني هنا الحرية الداخلية ، أي قدرة الإنسان على تحكم بذاته والتحرر من قوانين بشريته ، فهذا الجانب لا يهمنا هنا ، وذلك سواء فيما يملك الإنسان القدرة على التحكم فيه داخلياً ، أو لا يملك ذلك ، وإنما نعني بالحرية هنا الحريةَ الخارجية ، وهي مدى المرونة التي يتمتع بها الإنسان في التعامل مع العالم المحيط به ، من حيث سائرُ الأنظمة و الأنشطة التي تتجلى فيه.
إننا إن لاحظنا علاقة الإنسان بالله علمنا أن الإنسان لا يملك أي حرية تجاهه، أي إن الإنسان لا يتمتع بأي مرونة سلوكية خارج النطاق أو المجال الذي أُذن له بالمرونة فيه، وذلك لأن الإنسان عبد مملوك لله عز وجل، و كل من أيقن بوجود الله عز وجل يعلم هذا، فالعبد المملوك لا يملك التمتع بأي حرية تجاه سيده المالك، وهذا هو معنى قولنا : (الإنسان مكلف) ؛ أي : هو مسؤول عن جملة وظائف ومهام كلفه الله بها، ومن ثم فإنه لا يملك أن يتصرف إلا ضمن ما قد أذن له الله فيه .
غير أن هذا التكليف الذي يحول دون ممارسة المكلف لحريته بالتصرف ، لا تظهر آثاره إلا في الحياة الآخرة التي سماها الله تعالى يوم الحساب ، كما سماها يوم الجزاء ؛ حيث يتعرض المتحرر عن قيود التكاليف لأنواع من العقاب آنذاك ، كما يلاقي المتقيد بأوامر الله وأحكامه أنواع المثوبة والأجور الممتعة، أما في دار الدنيا، فإن السبل أمام الإنسان تظل مفتحة تمكنه من فعل ما يشاء ومن التصرف على النحو الذي يريد على الرغم من أنّ التكاليف تظل تلاحقه ما دام بالغاً راشداً ، فهو بهذا المعنى وضمن هذا النطاق يملك حريته ؛ إذ هو غير ممنوع من التصرف في فجاج الحياة على النحو الذي يريد .
وقد عبر بيان الله تعالى عن هذه الحرية الدنيوية التي أتاحها للإنسان بأبلغ تعبير يؤكد الحرية العاجلة
ويحذر من النتائج الآجلة في هاتين الآيتين :
غير أن هذا التكليف الذي يحول دون ممارسة المكلف لحريته بالتصرف ، لا تظهر آثاره إلا في الحياة الآخرة التي سماها الله تعالى يوم الحساب ، كما سماها يوم الجزاء ؛ حيث يتعرض المتحرر عن قيود التكاليف لأنواع من العقاب آنذاك ، كما يلاقي المتقيد بأوامر الله وأحكامه أنواع المثوبة والأجور الممتعة، أما في دار الدنيا، فإن السبل أمام الإنسان تظل مفتحة تمكنه من فعل ما يشاء ومن التصرف على النحو الذي يريد على الرغم من أنّ التكاليف تظل تلاحقه ما دام بالغاً راشداً ، فهو بهذا المعنى وضمن هذا النطاق يملك حريته ؛ إذ هو غير ممنوع من التصرف في فجاج الحياة على النحو الذي يريد .
وقد عبر بيان الله تعالى عن هذه الحرية الدنيوية التي أتاحها للإنسان بأبلغ تعبير يؤكد الحرية العاجلة
ويحذر من النتائج الآجلة في هاتين الآيتين :
غير أن الذي يُشْكِل على هذا أن في التكاليف السلوكية الإسلامية ما قد أنيطت به عقوبات عاجلة ، ومن شأن ذلك أن يفقد المكلف حرية التصرف حياله ، ولا يمكّنه من القدرة على اتخاذ القرار الذي يريد .
مثال ذلك : القتل الذي يستوجب القصاص ، و الزنى الذي يستوجب حدّ الرجم أو الجلد ، والسرقة التي يترتب عليها قطع اليد ، و القذف الذي يستلزم الحد…إلخ ، والجواب على ذلك ، أن عقوبات هذه المحرمات و أمثالها لا تتقرر إلا بعد أن يذعن مرتكبها لأحكام الشريعة الإسلامية ، فلا يكون ذلك بالضرورة إلا بعد إذعانه لحقائق الإيمان وأركانه . فأما الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه ، فلا يلاحق قضائياً_ أي في دار الدنيا _ بفروع الأحكام ، أي (المستلزمات السلوكية للأصول الاعتقادية ) .
ولكن إذا أذعن الإنسان لكليات العقائد الإسلامية وأعلن عن إيمانه بها واستسلامه لها ، كان ذلك منه إيذاناً بضرورة خضوعه للأحكام السلوكية المنبثقة عن إذعانه لتلك الكليات ، وكان من حق القضاء أن يلاحقه بتطبيقها و الوفاء بها ، الشأن في ذلك كشأن أي علاقة مشابهة بين دولة ما ومواطنيها المنتسبين إليها و الخاضعين لأنظمتها وقوانينها .
وهذا التقييد القضائي _ أي في دار الدنيا _ للحريات ، إنما اقتضته ضرورة رفع الظلم و السوء عن الآخرين ، فهو يأتي قصاصاً أو تسوية حقوقية لأولئك الذين حاق بهم الحيف والظلم ، لا جزاء على مخالفة العاصي لأمر الله عز وجل ، ومن أجل هذا السبب يصبح تقييد الحريات حقاً اجتماعي ورعايةً مدنية لابد منها ، وذلك لإشاعة العدل بين الناس وإقامة العلاقات على نحو تعاوني مفيد ، وقد كانت المجتمعات الإنسانية ولا تزال تقيد الحريات بهذه الموازين ، لتجعل منها موئلاً للجميع ، لا نصيباً للأقوى أو الأغنى أو الأقدر على التحايل واستلاب الحقوق .
مثال ذلك : القتل الذي يستوجب القصاص ، و الزنى الذي يستوجب حدّ الرجم أو الجلد ، والسرقة التي يترتب عليها قطع اليد ، و القذف الذي يستلزم الحد…إلخ ، والجواب على ذلك ، أن عقوبات هذه المحرمات و أمثالها لا تتقرر إلا بعد أن يذعن مرتكبها لأحكام الشريعة الإسلامية ، فلا يكون ذلك بالضرورة إلا بعد إذعانه لحقائق الإيمان وأركانه . فأما الذي لم يذعن بعد لأحكام الإسلام وشرائعه ، فلا يلاحق قضائياً_ أي في دار الدنيا _ بفروع الأحكام ، أي (المستلزمات السلوكية للأصول الاعتقادية ) .
ولكن إذا أذعن الإنسان لكليات العقائد الإسلامية وأعلن عن إيمانه بها واستسلامه لها ، كان ذلك منه إيذاناً بضرورة خضوعه للأحكام السلوكية المنبثقة عن إذعانه لتلك الكليات ، وكان من حق القضاء أن يلاحقه بتطبيقها و الوفاء بها ، الشأن في ذلك كشأن أي علاقة مشابهة بين دولة ما ومواطنيها المنتسبين إليها و الخاضعين لأنظمتها وقوانينها .
وهذا التقييد القضائي _ أي في دار الدنيا _ للحريات ، إنما اقتضته ضرورة رفع الظلم و السوء عن الآخرين ، فهو يأتي قصاصاً أو تسوية حقوقية لأولئك الذين حاق بهم الحيف والظلم ، لا جزاء على مخالفة العاصي لأمر الله عز وجل ، ومن أجل هذا السبب يصبح تقييد الحريات حقاً اجتماعي ورعايةً مدنية لابد منها ، وذلك لإشاعة العدل بين الناس وإقامة العلاقات على نحو تعاوني مفيد ، وقد كانت المجتمعات الإنسانية ولا تزال تقيد الحريات بهذه الموازين ، لتجعل منها موئلاً للجميع ، لا نصيباً للأقوى أو الأغنى أو الأقدر على التحايل واستلاب الحقوق .
فإذا تبين هذا الذي قلناه ، فقد آن لنا أن نؤكد ما هو واضح من أن علاقة الإنسان بالحرية الداخلية مع ذاته ، وعلاقته بالحرية الخارجية مع مجتمعه ، تنطبق على كل من الرجل والمرأة على السواء ، فلا دخل للرجولة بحد ذاتها أو الأنوثة بحد ذاتها في جوهر الحرية أو نسبة تمتع الإنسان بها .
لقد تبين لنا أن حرية الإنسان لا يملك التحرر من قوانين بشريته ، ولا شك أن الرجل والمرأة في ذلك سواء، كما تبين لنا أن حرية الإنسان في علاقاته الاجتماعية , لا يحدها ويضبطها إلا ما تقتضيه حماية حريات الآخرين ورعاية مصالحهم المشروعة ، ومما لاشك فيه أن الرجل والمرأة في ذلك سواء .
وها نحن نستعرض الجوانب التي يمكن أن تكون مثاراً للجدل ضمن هذا الإطار :
لقد تبين لنا أن حرية الإنسان لا يملك التحرر من قوانين بشريته ، ولا شك أن الرجل والمرأة في ذلك سواء، كما تبين لنا أن حرية الإنسان في علاقاته الاجتماعية , لا يحدها ويضبطها إلا ما تقتضيه حماية حريات الآخرين ورعاية مصالحهم المشروعة ، ومما لاشك فيه أن الرجل والمرأة في ذلك سواء .
وها نحن نستعرض الجوانب التي يمكن أن تكون مثاراً للجدل ضمن هذا الإطار :
إن الأعمال المشروعة التي أباحها الإسلام للرجل ، هي ذاتها التي أباحها للمرأة ، والأعمال الشائنة التي حرمها الله على الرجال هي ذاتها التي حرمها على النساء .
غير أن الله تعالى ألزم الرجال بآداب سلوكية و اجتماعية ، فاقتضى ذلك أن تكون أعمالهم التي يمارسونها خاضعة لتلك الضوابط والآداب ، وألزم النساء أيضاً بآداب سلوكية واجتماعية ، فكان عليهن أن لا يخرجن في أعمالهن التي تمارسنها على شيء من تلك الأحكام والآداب.
فعلى سبيل المثال : إن الله فرض على المرأة التقيد بمظاهر الحشمة ، و حرم عليها الخلوة بالرجال الأجانب كما حرم عليهم ذلك ، فلا يجوز لها أن تمارس من الأعمال ما قد تضطرها إلى الخلوة أو إلى التخلي عن حشمتها المطلوبة… كما أنه لا يجوز للرجل أن يباشر من الوظائف أو الأعمال ما قد يزجه في خلوة محرمة أو يعرضه للفتنة من جراء اختلاطه بنساء غير ملتزمات بضوابط الحشمة المطلوبة ، فإذا انتفى هذا المحذور – وهو محذور في حق كل من الرجل والمرأة كما قد رأينا – كان للمرأة أن تمارس أي وظيفة من الوظائف المشروعة ، كما كان لها أن تباشر أي عمل من الأعمال المباحة في أصلها ، سواء كانت صناعة أو زراعة أو تجارة أو غير ذلك .
غير أن الله تعالى ألزم الرجال بآداب سلوكية و اجتماعية ، فاقتضى ذلك أن تكون أعمالهم التي يمارسونها خاضعة لتلك الضوابط والآداب ، وألزم النساء أيضاً بآداب سلوكية واجتماعية ، فكان عليهن أن لا يخرجن في أعمالهن التي تمارسنها على شيء من تلك الأحكام والآداب.
فعلى سبيل المثال : إن الله فرض على المرأة التقيد بمظاهر الحشمة ، و حرم عليها الخلوة بالرجال الأجانب كما حرم عليهم ذلك ، فلا يجوز لها أن تمارس من الأعمال ما قد تضطرها إلى الخلوة أو إلى التخلي عن حشمتها المطلوبة… كما أنه لا يجوز للرجل أن يباشر من الوظائف أو الأعمال ما قد يزجه في خلوة محرمة أو يعرضه للفتنة من جراء اختلاطه بنساء غير ملتزمات بضوابط الحشمة المطلوبة ، فإذا انتفى هذا المحذور – وهو محذور في حق كل من الرجل والمرأة كما قد رأينا – كان للمرأة أن تمارس أي وظيفة من الوظائف المشروعة ، كما كان لها أن تباشر أي عمل من الأعمال المباحة في أصلها ، سواء كانت صناعة أو زراعة أو تجارة أو غير ذلك .
غير أن الأعمال الوظيفية والمهنية عندما تتزاحم بحكم المتطلبات الأسرية و الاجتماعية ، فلا مناص عندئذ من اتباع ما يقتضيه سلّم الأولويات في تفضيل الأهم ، فما دونه ، فما دونه ، من حيث رعاية الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات من مصالح المجتمع.
إن المرأة المتزوجة التي أنجبت أطفالاً ، يلاحقها المجتمع بطائفة من الأعمال الكثيرة ، التي لا تقدر في الأغلب على النهوض بها كلها ، فهي ملاحقة برعاية زوجها و توفير مقومات إسعاده ، وهي ملاحقة في الوقت ذاته برعاية أطفالها و تربيتهم ، كما أنها بحكم ثقافتها و اختصاصها العلمي الذي تتمتع به مدعوة إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من خلال وظيفة تعليمية في إحدى المدارس ، و قد تكون ذات نشاط اجتماعي فهي مدعوة بحكم مزيتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في الخدمة في رعاية مجتمعها وحل بعض مشكلاته ، لكن الوقت لا يسعفها في النهوض بسائر هذه المهام و الوظائف ، و هي كلها جيدة و مفيدة ، فما الحل الذي يجب المصير إليه ؟
إن المرأة المتزوجة التي أنجبت أطفالاً ، يلاحقها المجتمع بطائفة من الأعمال الكثيرة ، التي لا تقدر في الأغلب على النهوض بها كلها ، فهي ملاحقة برعاية زوجها و توفير مقومات إسعاده ، وهي ملاحقة في الوقت ذاته برعاية أطفالها و تربيتهم ، كما أنها بحكم ثقافتها و اختصاصها العلمي الذي تتمتع به مدعوة إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من خلال وظيفة تعليمية في إحدى المدارس ، و قد تكون ذات نشاط اجتماعي فهي مدعوة بحكم مزيتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في الخدمة في رعاية مجتمعها وحل بعض مشكلاته ، لكن الوقت لا يسعفها في النهوض بسائر هذه المهام و الوظائف ، و هي كلها جيدة و مفيدة ، فما الحل الذي يجب المصير إليه ؟
ليس ثمة حل منطقي سليم إلا اللجوء إلى ما تقتضيه رعاية سلّم الأولويات ، وسلّم الأولويات فيما يقرره سائر علماء الاجتماع يقول : صلاح الأسرة الأساس الأول لصلاح المجتمع
إن نهوض الزوجة الأم بمسؤولية رعاية زوجها وتربية أولادها والعمل على تنشئتهم النشأة الصالحة ، يرقى إلى مستوى الضروريات من مصالح المجتمع، و ذلك لأن صلاح الأسرة هو الأساس الأول لصلاح المجتمع ،فإذا فسدت الأسرة وعصفت بها رياح الفوضى والإهمال، فإن سائر الأنشطة العلمية و الثقافية يتبعها سائر القوى والمدخرات الاقتصادية ،لا يمكن أن يحلّ محل الأسرة في إقامة المجتمع على نهج سويّ..
إن المجتمع كان ولا يزال هو التابع لحال الأسرة وما هي عليه من صلاح وفساد ، ولم يثبت عكس ذلك في وقت من الأوقات ، وانطلاقاً من هذا الواقع ، فإذا لم تتمكن الزوجة الأم من الجمع بين النهوض بمهام الأسرة ، والأنشطة الثقافية والاجتماعية الأخرى ، فإنّ عليها_ فيما يقضي به اتباع سلم الأولويات _ أن توفر وقتها للنهوض بالضروري الذي هو السهر على رعاية الأسرة ، وإن اقتضى ذلك التضحية بوظائف وأعمال أخرى ،ويزداد الحق في هذا الذي نقوله وضوحاً، عندما تجد الزوجة نفسها مندفعة إلى الوظيفة أو العمل ، لمجرد طمع في وجاهة اجتماعية أو لمجرد رغبة في التمتع بمزيد من المال إنها في هذه الحالة تغامر- بدون شك – بحياتها الزوجية أو بالسعادة التي ينبغي أن تشيع بينها وبين زوجها، كما أنها تغامر بما قد يكون أهم من ذلك ، ألا وهو رعاية الأولاد و التفرغ لحسن تربيتهم في سبيل هوىً من الأهواء العابرة ، وابتغاء متعة سرعان ما تتحول إلى أعباء ثقيلة من المغارم ،
إن المجتمع كان ولا يزال هو التابع لحال الأسرة وما هي عليه من صلاح وفساد ، ولم يثبت عكس ذلك في وقت من الأوقات ، وانطلاقاً من هذا الواقع ، فإذا لم تتمكن الزوجة الأم من الجمع بين النهوض بمهام الأسرة ، والأنشطة الثقافية والاجتماعية الأخرى ، فإنّ عليها_ فيما يقضي به اتباع سلم الأولويات _ أن توفر وقتها للنهوض بالضروري الذي هو السهر على رعاية الأسرة ، وإن اقتضى ذلك التضحية بوظائف وأعمال أخرى ،ويزداد الحق في هذا الذي نقوله وضوحاً، عندما تجد الزوجة نفسها مندفعة إلى الوظيفة أو العمل ، لمجرد طمع في وجاهة اجتماعية أو لمجرد رغبة في التمتع بمزيد من المال إنها في هذه الحالة تغامر- بدون شك – بحياتها الزوجية أو بالسعادة التي ينبغي أن تشيع بينها وبين زوجها، كما أنها تغامر بما قد يكون أهم من ذلك ، ألا وهو رعاية الأولاد و التفرغ لحسن تربيتهم في سبيل هوىً من الأهواء العابرة ، وابتغاء متعة سرعان ما تتحول إلى أعباء ثقيلة من المغارم ،
ولكي يتيسر السبيل أمام المرأة للتقيد بمقتضى سلم الأولويات هذا ، وكي لا ترى عنتاً في إلزامها نفسها بذلك ، فقد كفتها الشريعة الإسلامية مؤونة النفقة على نفسها و أولادها ،ووفرت لها الجهد الذي كان ينبغي أن تبذله لذلك ، وذلك عندما ألزمت الزوجَ بالإنفاق عليها وعلى أولادها .
ولنتأمل في هذا النص القرآني الذي يربط بين المهمة القدسية التي ينبغي أن تتفرع لها كل زوجة أمّ ، والكفاية التي ضمنتها لها ، بما قد ألزمت الزوج به من الإنفاق عليها و تقديم كل أسباب الكفاية والحياة الكريمة لها ،
وهو قوله الله عز وجل :
ولنتأمل في هذا النص القرآني الذي يربط بين المهمة القدسية التي ينبغي أن تتفرع لها كل زوجة أمّ ، والكفاية التي ضمنتها لها ، بما قد ألزمت الزوج به من الإنفاق عليها و تقديم كل أسباب الكفاية والحياة الكريمة لها ،
وهو قوله الله عز وجل :
إن ملاحظة الشارع هنا هي أن الزوجة في كل الأحوال مسؤولة عن رعاية الأسرة وحمايتها من عوامل التفسخ والفساد ، وعلى الرغم من أنها مسؤولية مشتركة يتحملها الزوجان معاً ، فإن هنالك وظائف حساسة و خطيرة لا يصلح للنهوض بها إلا الأم ، ولما كانت حاجة الكدح من أجل الرزق تشكل عثرة كبرى من شأنها أن تصد الزوجة الأم عن النهوض بهذه المسؤولية- كما هي الحال في المجتمعات الغربية- فقد قضى الشارع على هذه العثرة وأبعدها عن طريق الزوجة , وذلك عندما حمّل الزوج مسؤولية كفايتها المعيشة على المستوى اللائق من التكريم .
وليكن معلوماً أن هذا التيسير الذي حققه الشارع أمام المرأة ، بين يدي اتباعها لما يقتضيه سلّم الأولويات لا يعني أنه حرّم عليها ممارسة الوظائف و الأعمال الأخرى خارج المنزل …بل إن باب الوظائف والأعمال المختلفة ، يظل مفتوحاً أمامها كما هو مفتوح أمام الرجل ، ولكن ضرورة البدء بالأهم فما دونه ، فما دونه ، واجب تنسيقي يخاطب به المنطقُ الفكري والاجتماعي كلاً من المرأة والرجل على السواء.
فعلى سبيل المثال : إذا اقتنع الزوجان بأن الوظائف البيتية أقل من أن تملك على الزوجة كامل وقتها فلا مانع شرعاً من أن تنفق فضول وقتها في أي عمل صالح تؤديه خارج المنزل ، على أن تأخذ بعين الاعتبار الآداب والضوابط التي يجب أن تلتزم بها ، حتى إذا رأيا أن عملها هذا يخل بالأهم من ضرورات رعاية الأسرة وحمايتها من الآفات التي تتربص بها ، كان عليهما أن يتخذا القرار المتفق مع مبدأ تدرج المصالح الاجتماعية .
وليكن معلوماً أن هذا التيسير الذي حققه الشارع أمام المرأة ، بين يدي اتباعها لما يقتضيه سلّم الأولويات لا يعني أنه حرّم عليها ممارسة الوظائف و الأعمال الأخرى خارج المنزل …بل إن باب الوظائف والأعمال المختلفة ، يظل مفتوحاً أمامها كما هو مفتوح أمام الرجل ، ولكن ضرورة البدء بالأهم فما دونه ، فما دونه ، واجب تنسيقي يخاطب به المنطقُ الفكري والاجتماعي كلاً من المرأة والرجل على السواء.
فعلى سبيل المثال : إذا اقتنع الزوجان بأن الوظائف البيتية أقل من أن تملك على الزوجة كامل وقتها فلا مانع شرعاً من أن تنفق فضول وقتها في أي عمل صالح تؤديه خارج المنزل ، على أن تأخذ بعين الاعتبار الآداب والضوابط التي يجب أن تلتزم بها ، حتى إذا رأيا أن عملها هذا يخل بالأهم من ضرورات رعاية الأسرة وحمايتها من الآفات التي تتربص بها ، كان عليهما أن يتخذا القرار المتفق مع مبدأ تدرج المصالح الاجتماعية .
وانظر إلى المجتمعات الغربية اليوم ، كم تندب حظها التعيس في انهيار الأسرة الغربية ، وفي تحول المنازل التي كانت يوماّ ما خلايا مقدسة لأسر متماسكة ، إلى (موتيلات) صغيرة يأوي إليها أشخاص تقطعت مما بينهم صلات التعاون والقربى ، فلم يعد يجمعهم إلاّ المبيت في هذه الملتقيات ثم تساءل معي : ما الذي جعل صلات القربى – وهي موجودة – تتقطع فيما بينهم ؟ إن الذي قطع هذه الصلة ، إنما هو استقلالية كل من أعضاء الأسرة الواحدة في تحمل مسؤوليات نفسه فالزوجة الأم ، والبنت الرشيدة البالغة ، والزوج الأب، كل منهم مسؤول عن نفسه ، ومن ثم فعلى كل منهم أن يبحث عن معيشته التي يحلم بها ، من خلال جهده الشخصي وكدّ يمينه ، إن انصراف كل منهم سعيداً وراء هذه الحاجة الذاتية المفصولة عن الآخرين ، قطع شبكة القرابة مما بينهم ثم أخمد حرارة الرحم الإنساني التي كانت مهمتها صهر أعضاء الأسرة الواحدة في بوتقة نموذجية من وحدة التلاحم والتعاون الاجتماعي الصغير ، وهذا هو بالضبط معنى تفكك الأسرة وانهيارها ، ولهذا الواقع المأساوي الذي يئن الغرب تحت وطأته اليوم صورة ومضمون ، وبينهما بعد النقيض عن النقيض.
أما الصورة:
فهي الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المرأة الغربية …و يخدع به اليوم طائفة كبيرة من المغفلين والمغفلات في مجتمعات العالم الثالث .
وأما المضمون :
فهو قهرُ الرجل المرأةَ على العمل خارج المنزل لتسدّ حاجة نفسها ، ولو اقتضى ذلك أن تسحق أنوثتها في غمار الأعمال القاسية والمضنية ، بعد أن يقهرها على مضاجعته في فراش الزوجية ، ثم يقهرها على التخلي عن وظيفة أمومتها والتفرغ لرعاية بيتها وأولادها ، فإن ضاقت بذلك ذرعاً وأعلنت احتجاجها على هذا الظلم ، أحيلت إلى قطيع النساء المطلقات ، بعد أن تنال نصيبها الأوفى من الإيذاء والضرب ، وهو قطيع كبير ، لا سيما في أمريكا ، و يمثل أكبر مجتمع مأساوي في الغرب اليوم .
أما الصورة:
فهي الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المرأة الغربية …و يخدع به اليوم طائفة كبيرة من المغفلين والمغفلات في مجتمعات العالم الثالث .
وأما المضمون :
فهو قهرُ الرجل المرأةَ على العمل خارج المنزل لتسدّ حاجة نفسها ، ولو اقتضى ذلك أن تسحق أنوثتها في غمار الأعمال القاسية والمضنية ، بعد أن يقهرها على مضاجعته في فراش الزوجية ، ثم يقهرها على التخلي عن وظيفة أمومتها والتفرغ لرعاية بيتها وأولادها ، فإن ضاقت بذلك ذرعاً وأعلنت احتجاجها على هذا الظلم ، أحيلت إلى قطيع النساء المطلقات ، بعد أن تنال نصيبها الأوفى من الإيذاء والضرب ، وهو قطيع كبير ، لا سيما في أمريكا ، و يمثل أكبر مجتمع مأساوي في الغرب اليوم .
أما شريعة الإسلام ، فقد حصنت المرأة آمنة مطمئنة في مملكة أنوثتها ، ويسرت لها السبيل الأمثل لتكون عضواً صالحاً في أسرة سعيدة صالحة تتفرغ لرعايتها و حمايتها من كل سوء و آفة ، و فتحت أمامها المجال في الوقت ذاته لتمارس ما تشاء من الأنشطة الاجتماعية ، و تنهض بما قد يناسبها من الوظائف والأعمال المفيدة ، إشباعاً منها لهواية أو رغبة ، لا انسياقاً ذليلاً وراء ضرورة ملجئة ، فإن كنت ممن لا يزال يلحّ على أن هذا الموقف من الشارع يفقد المرأة استقلالها الاقتصادي ويبعدها عن مجال تحقيق الذات . فاسمع ما تقوله الكاتبة الألمانية المعروفة : إسترفيلار في واحد من أشهر كتبها :
إن ما قلناه عن الحرية الخارجية ، أي مدى ما يملكه الإنسان من حرية في علاقاته الاجتماعية ، كما رأيناه في انطباقه على حرية العمل لدى المرأة ، سنجده ينطبق هو ذاته على الأنشطة السياسية التي بوسع المرأة أن تمارسها ، إننا إن استثنينا رئاسة الدولة التي كثيراً ما يعبرّ عنها بالخلافة عن رسول الله صلى الله علية وسلم ، فإنّ سائر الرتب و الأنشطة السياسية الأخرى ، تعدّ في الشريعة الإسلامية ، مجالات متسعة لكل من الرجل و المرأة .
لنبدأ ببيان موقف الشريعة الإسلامية من إسناد رئاسة الدولة إلى المرأة ، وبيان الحكمة من ذلك .
يقول رسول الله صلى الله علية وعلى آله وسلم :
يقول رسول الله صلى الله علية وعلى آله وسلم :
ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما هلك شيرويه، أحد ملوك الفرس وتولت الملك من بعده ابنته بوران ، وقد استدل جمهرة علماء الشريعة الإسلامية بهذا الحديث الصحيح ، على حرمة إسناد مهام الخلافة أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة إلى المرأة أياً كانت ، وعلى أن البيعة لا تنعقد لها شرعاً، ولكن ما الحكمة من هذا الحجر الذي جاء خاصاً ، وبموجب نص صريح ؟ الحكمة هي :
أنّ هناك قسماً كبيراً من المهام التي يقوم بها الخليفة أو من يحلّ محلّه , دينيه محضة , وليست سياسة مجردة , فمن مهام الخليفة جمع الناس على صلاة الجمعة وخطبتها ، و هي مهمة دينية محضة كما هو واضح ، ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بصلاة الجمعة ولا بالحضور لها , للأسباب التي سبق ذكرها ، فكيف تقود الناس و تشرف عليهم في عمل هي غير مطالبة به ؟
فإن قلنا : فلينب عنها من يقوم بهذا الواجب من الرجال ، أشكلت على ذلك القاعدة الفقهية القائلة بأنه لا تصح الوكالة إلاّ عمن يستوي مع الوكيل في المطالبة بذلك الحكم وشرائط صحته و انعقاده.
فإن قلنا : فلينب عنها من يقوم بهذا الواجب من الرجال ، أشكلت على ذلك القاعدة الفقهية القائلة بأنه لا تصح الوكالة إلاّ عمن يستوي مع الوكيل في المطالبة بذلك الحكم وشرائط صحته و انعقاده.
إعلان حالة الحرب مع من اقتضى الأمر محاربتهم و قتالهم ، وقيادته الجيش في عمليات القتال ، ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بالجهاد القتالي إلا عند النفير العام , أي عند مداهمة العدو دار الإسلام واقتحامه لأراضي المسلمين ، فكيف يستقيم منها أن تقود الناس في عمليات هي غير مكلفة بها ؟
ومثل ذلك إعلان الهدنة والصلح و نحو ذلك …مما يعدّ نتائج و فروعاً لحالة الحرب و الإعلان عنها والمعلوم أن الذي لا يكلف بأصل الشيء ومصدره , لا يكلف بشيء من فروعه آثاره .
ومثل ذلك إعلان الهدنة والصلح و نحو ذلك …مما يعدّ نتائج و فروعاً لحالة الحرب و الإعلان عنها والمعلوم أن الذي لا يكلف بأصل الشيء ومصدره , لا يكلف بشيء من فروعه آثاره .
ومن مهام الخليفة كذلك الخروج بالناس إلى صلاة العيد , و إلى صلاة الاستسقاء ، وإلقاء الخطبة المتعلقة بالصلاتين ، والمرأة قد لا تكون في وضع يخوّلها القيام بهذه المهام و نحوها , مما هو كثير ، فاقتضى ذلك أن لا تزج المرأة في هذه المحرجات دونما ضرورة تستدعي ذلك ، والواقع أنه ليس ثمة ضرورة تقتضي تحميل المرأة هذه المحرجات .
و بقطع النظر عن هذا السبب الذي يتلخص في أن كثيراً من مهام الخلافة أو ما يقوم مقامها من رئاسة الدولة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية هي مهام دينية مجردة ، فإن الواقع التاريخي منذ أقدم عصور الحضارة الإنسانية ، وكان ولا يزال متفقاً مع هذا الذي قررته الشريعة الإسلامية ، فإذا تأملنا في أسماء من نصبوا ملوكاً أو رؤساء لدولهم : منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم , خارج المجتمعات الإسلامية , وجدنا أن غالبيتهم العظمى كانوا رجالاً , بل إنك لا تكاد تعثر على أسماء نساء تولين رئاسة الدولة أو الملك , أكثر من عدد أصابع اليدين ، ولا شك أن هذا يدلّ دلالة واضحة على أن تلك المجتمعات مقتنعة , رجالاً و نساءً ، بما قد قضى به الإسلام و إلا:
• فلماذا لم ترتفع نسبة الرؤساء و الملوك من ذوي السلطة الحاكمة من النساء ، إلى النصف أو إلى الربع أو إلى عشر أمثالهن من الرجال طوال هذه الأحقاب المنصرمة كلها ؟
• لماذا لم نسمع عن امرأة تولت الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فجر ولادة هذه الدولة إلى اليوم ؟
• بل لماذا لم نسمع عن أي امرأة رشحت نفسها للرئاسة ؟
وهي الدولة التي تهيب بالنساء في العالم العربي و الإسلامي أن يكافحن لنيل هذا الحق !!..
• فلماذا لم ترتفع نسبة الرؤساء و الملوك من ذوي السلطة الحاكمة من النساء ، إلى النصف أو إلى الربع أو إلى عشر أمثالهن من الرجال طوال هذه الأحقاب المنصرمة كلها ؟
• لماذا لم نسمع عن امرأة تولت الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فجر ولادة هذه الدولة إلى اليوم ؟
• بل لماذا لم نسمع عن أي امرأة رشحت نفسها للرئاسة ؟
وهي الدولة التي تهيب بالنساء في العالم العربي و الإسلامي أن يكافحن لنيل هذا الحق !!..
فإذا تجاوزنا مهمة الخلافة أو رئاسة الدولة ، إلى الوظائف و المهام السياسية الأخرى ، فإننا لا نكاد نجد مدخلاً لخصوصية الذكورة و الأنوثة في الأمر .
ولنستعرض هذه الوظائف والمهام , متدرجين من الأدنى إلى الأعلى .
ولنستعرض هذه الوظائف والمهام , متدرجين من الأدنى إلى الأعلى .
وتدخل في حكمها مبايعة من يختارون ممثلين عن الأمة أوالشعب في مجالس الشورى ، فمن المعلوم أن الرئيس أو الخليفة تتوقف رئاسته الشرعية على مبايعة أهل الحل والعقد له ، و يستثنى من ذلك ما لوا استقر الأمر للحاكم عن طريق الغلبة والقهر ، فإن البيعة عندئذ تصبح مجرد واجب مستقر في أعناق الناس، وتسقط أهميتها أو قيمتها في استقرار الحكم للشخص المبايع له ، ومن المعلوم أن هذه البيعة عمل سياسي لا واجب ديني ، إذ إن الذين دخلوا الإسلام يوم فتح مكة , إنما أصبحوا مسلمين بإعلانهم عن استسلامهم الاعتقادي و السلوكي لأركان الإسلام ، ولم تكن مبايعتهم لرسول الله شرطاً لا بدّ منه لصحة إسلامهم ، ومع ذلك فقد هرعوا إلى مبايعته صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم . فما هو وجه الحاجة التي دعت إليها ؟
إن وجه الحاجة , ضرورة الإعلان عن الانقياد للسلطة السياسية التي يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما لا شك فيه أنه صلى الله عليه وسلم يتمتع – بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها وتحولها إلى أول دار إسلام _ بشخصية النبي المرسل والمبلغ عن الله عز وجل , وبشخصية الإمام الراعي لمصالح الأمة ، فعلاقة المسلم برسول الله نبياً مبلغاً عن الله تقوم على نهجها السوي بإسلامه وإيمانه أما علاقته به إماماً و قائداً للأمة ، فإنما تقوم على نهجها السليم بمبايعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره بوصف كونه إماماً وقائداً للمسلمين.
إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة هو أداء لمهمة سياسية يلزمُ بها الدين ، بدءاً من المبايعة التي تمت لرسول الله يوم الفتح ، ومروراً بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنا هذا ، وهذه المبايعة السياسية التي يأمر بها الدين ، يستوي في المطالبة والتكليف بها الرجال والنساء معاً ، دون أي فرق.
إن وجه الحاجة , ضرورة الإعلان عن الانقياد للسلطة السياسية التي يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما لا شك فيه أنه صلى الله عليه وسلم يتمتع – بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها وتحولها إلى أول دار إسلام _ بشخصية النبي المرسل والمبلغ عن الله عز وجل , وبشخصية الإمام الراعي لمصالح الأمة ، فعلاقة المسلم برسول الله نبياً مبلغاً عن الله تقوم على نهجها السوي بإسلامه وإيمانه أما علاقته به إماماً و قائداً للأمة ، فإنما تقوم على نهجها السليم بمبايعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره بوصف كونه إماماً وقائداً للمسلمين.
إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة هو أداء لمهمة سياسية يلزمُ بها الدين ، بدءاً من المبايعة التي تمت لرسول الله يوم الفتح ، ومروراً بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنا هذا ، وهذه المبايعة السياسية التي يأمر بها الدين ، يستوي في المطالبة والتكليف بها الرجال والنساء معاً ، دون أي فرق.
فإذا تبين هذا , فإن القول ذاته يرد في مبايعة أو انتخاب المرأة لأعضاء مجلس الشورى ، وذلك لأن مناط الحكم ومصدره واحد في الحالتين ، فصحيح أن مجلس الشورى لم يكن يعين فيما مضى , عن طريق الانتخاب أو المبايعة , وإنما عن طريق اختيار الدولة لمن يسمون بأهل الحل والعقد , ولكن لما أحالت الدولة حق الاختيار هذا إلى الشعب _ وهذا سائغ ومبرر شرعاً _ كان لابد أن يستوي في ذلك الرجال والنساء ، بمقتضى حق الإحالة التي منحته الدولة , وبمقتضى الحق الشرعي الذي منحه الشارع لهما فيما هو أخطر وأهم ألا وهو حق اختيار الإمام ومبايعته.
على اختلاف أنواعها ومراتبها، فبقطع النظر عن الأشكال والأساليب التي تطورت إليها هذه المجالس، بل التي يمكن أن تتطور إليها أيضاً في المستقبل, فإن المبدأ هو أن اعتماد الدولة على مجلس الشورى في كل ما يصدر عنه من قرارات وأحكام اجتهادية لا نص يلزم بها واجب شرعي يدخل في جوهر الدين وأسسه الراسخة .
وكلنا قرأ ووعى في ذلك قوله الله عز وجل خطاباً لرسوله بوصفه الإمام الأول لهذه الأمة:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
وكلنا قرأ ووعى في ذلك قوله الله عز وجل خطاباً لرسوله بوصفه الإمام الأول لهذه الأمة:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
وكلنا قرأ ووعى بعد ذلك قوله عز وجل ، وهو يصف سلسلة المجتمعات الإسلامية السائرة على نهج الرعيل الأول ، وانضباطها بأوامر الله وهدية :
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
فهذا الواجب الذي كلف الله به إمام الأمة أو رئيس الدولة , جعله الله في الوقت ذاته حقاً ثابتاً من حقوق الأمة ، أي هو واجب تكلف بتنفيذه الدولة ، وحق تتقاضاه الأمة ، ونظراً إلى أن الأمة أو الرعية أو الشعب على حد العبارة الدارجة , تتألف دائماً من شطري الرجال والنساء ، فإن حق الشورى مستقر بحكم الله وشرعته لهذين الشطرين من النساء والرجال .
وقد جرى تطبيق هذا الحكم في عصر النبوة بأجلى صوره التي لم تدع مجالاً لأي خلاف فيه .
ولعمري إن رسول الله لفي غنىً بما وهبه الله من حنكة وحكمة في القول والعمل ، عن أن يستشير أم سلمة ولكنه , كما ذكر الحسن البصري وغيره , أحب أن يقتدي به الناس في ذلك , وأن لا يشعر أحد منهم بمعرة في مشاورة امرأة قد يرى نفسه أكثر منها علماً وأنفذ بصيرة وفهماً .
وقد كان الصحابة يستشيرون النساء ، وكان في مقدمة من يفعل ذلك عمر رضي الله عنه .
وكان أبو بكر وعثمان وعلي يستشيرون النساء ….ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحداً من الخلفاء الراشدين أو الصحابة حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها ، كما أننا لم نعثر فيما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته على ما يدل صراحة أو إشارة ، على أن المرأة لا حق لها في الشورى ، ولم نجد أنه صلى الله عليه وسلم تعتمد أن يتجنب مشاورة النساء في بعض مما قد يشاور فيه الرجال .
أما الكلام الغريب الدائر على كثير من الألسن ، و الذي قد يتلقاه بعض العامة من الناس على أنه حديث من كلام رسول الله ، وفيه “…شاوروهن و خالفوهن وأسكنوهن الغرف ، وعلموهن سورة النور “. فلـم أجد من رواه حديثاً عن رسول الله ، لا بسند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع ، وربما رواه بعضهم وربما روي نحوه من كلام عمر . ولكن لم يصح عنه شيء من ذلك . بل المعروف كما قد رأيت نقيض هذا الكلام، فقد كان يشاورهن و يأخذ بمشورتهن .
واعتماداً على هذه الأدلة الثابتة من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل صحابته ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشورى تلتقي مع الفتوى في مناط واحد ، فكل من جاز له أن يفتي ممن توافرت لديه شرائط الفتوى ، جاز له أن يشير , وجاز للإمام وللقاضي أن يستشيره ويأخذ برأيه . ومعلوم أن الذكورة ليست شرطاً في صحة الفتوى ولا في تبوّء منصبها .
يقول الماوردي في ( أدب القاضي ) : إن كل من صح أن يفتي في الشرع ، جاز أن يشاوره القاضي في الأحكام ، فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة .
وهذا كلام عامة الفقهاء ، فكلهم يؤكدون أن على القاضي أن يستشير قبل اتخاذ الأحكام ، كما يؤكدون أن الرجل والمرأة في الاستشارة سواء ، ولم نجد في مقابل هذا الاتفاق أي نص أو رواية تتضمن حجب حق الشورى عن المرأة ، في نظر أحد من الفقهاء .
يقول الماوردي في ( أدب القاضي ) : إن كل من صح أن يفتي في الشرع ، جاز أن يشاوره القاضي في الأحكام ، فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة .
وهذا كلام عامة الفقهاء ، فكلهم يؤكدون أن على القاضي أن يستشير قبل اتخاذ الأحكام ، كما يؤكدون أن الرجل والمرأة في الاستشارة سواء ، ولم نجد في مقابل هذا الاتفاق أي نص أو رواية تتضمن حجب حق الشورى عن المرأة ، في نظر أحد من الفقهاء .
غير أن هذا الحكم الواضح – كما قد رأيت في كلام الفقهاء الأقدمين وفي عمل رسول الله وأصحابه – اتسم بقدر من الاضطراب ، بسبب ما كتبه بعض الفقهاء المعاصرين ، ولعل في مقدمتهم الشيخ أبا الأعلى المودودي فقد صرح في كتابه ( نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور ) بأن الذكورة شرط من شروط الأهلية لمجلس الشورى ، مخالفاً بذلك الهدي النبوي وعمل الصحابة واتفاق جمهور الفقهاء ، و استدل على اجتهاده المخالف هذا بأن المستشار يمارس بشوراه نوعاً من القوامة .
و قد قال الله عز وجل :
و قد قال الله عز وجل :
و بقطع النظر عما سنقوله لاحقاً إن شاء الله في القوامة ومعناها في كتاب الله عز وجل ، فإننا نتساءل في عجب : ما علاقة القوامة بالشورى ؟ و ما هو وجه اللزوم بينهما ؟ فإن من آداب القضاء أن يستشير القاضي حتى من هو دونه في المعرفة و اتساع العلم وعمق النظر ، كما ذكر الفقهاء , مستدلين بأنه قد يوجد لدى المفضول ما لا يوجد لدى الفاضل ، فهل من مستلزمات الشورى أن تصبح للمستشار المفضول قوامة على المستشير الفاضل ؟
ثم ما قيمة هذه الحجة بعد عمل رسول الله وعمل أصحابه ؟
إن المشورة مهما كانت صفتها ، ومهما تطورت أطرها و أساليبها التنظيمية ، لا تعدو أن تكون مظهراً من أبرز مظاهر التعاون للوصول إلى معرفة الحق و التواصي به ، و المسلمون و المسلمات كلهم شركاء في تحمل هذه المسؤولية التي هي سياسية في مظهرها ، ولكنها كثيراً ما تكون دينية و اجتماعية و اقتصادية في مضمونها ، نعم إن مجلس الشورى ليس من اختصاصه – فيما يقضي به الإسلام – أن يشرع أحكاماً تتصادم أو تخالف شرع الله وحكمه ، ولكن هذا المنع لا علاقة له بنوع الأشخاص الذين يشرعون تلك الأحكام ،إذ إن الحظر في ذلك متجه إلى الرجال و النساء على السواء ونحن لسنا بصدد هذا البحث الآن.
ثم ما قيمة هذه الحجة بعد عمل رسول الله وعمل أصحابه ؟
إن المشورة مهما كانت صفتها ، ومهما تطورت أطرها و أساليبها التنظيمية ، لا تعدو أن تكون مظهراً من أبرز مظاهر التعاون للوصول إلى معرفة الحق و التواصي به ، و المسلمون و المسلمات كلهم شركاء في تحمل هذه المسؤولية التي هي سياسية في مظهرها ، ولكنها كثيراً ما تكون دينية و اجتماعية و اقتصادية في مضمونها ، نعم إن مجلس الشورى ليس من اختصاصه – فيما يقضي به الإسلام – أن يشرع أحكاماً تتصادم أو تخالف شرع الله وحكمه ، ولكن هذا المنع لا علاقة له بنوع الأشخاص الذين يشرعون تلك الأحكام ،إذ إن الحظر في ذلك متجه إلى الرجال و النساء على السواء ونحن لسنا بصدد هذا البحث الآن.
الوظائف السياسية على اختلافها وتفاوت درجاتها ، ومن أبرزها الوزارات وما في حكمها ، إن المرأة التي هي أهل من حيث المبدأ و الاختصاص لإحدى هذه الوظائف , والتي تكون على استعداد لأن تضبط نفسها و سلوكها بالضوابط الدينية التي أمر بها الله عز وجل ، مما قد مر بيانه أو التذكير به ، ليس في الشرع ما يمنع من ممارستها لتلك الوظيفية ، بسبب أنها امرأة ، وبتعبير آخر ، وربما أوضح نقول : إن الحظر الذي نطق به رسول الله صلى الله علية وسلم ، هو ذاك الذي تضمنه قوله عليه السلام :
إنما هو خاص _ كما قد علمت _ بإمامة الأمة أو رئاسة الدولة ، إذ هو يعني بوران التي نصبت ملكة في المملكة الفارسية على قومها ، وإنما يسري هذا الحكم على نظائره في المجتمعات الإسلامية .
وتبقى الوظائف والمهام السياسية التي هي دون ذلك ، والتي قد تكلف بها المرأة ، مسكوتاً عنها ، وقد علمنا أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة , حتى يرد ما يخالف ذلك من الحظر ، و هذا يعني أن سائر الأنشطة السياسية التي قد تمارسها المرأة مما هو دون رئاسة الدولة ، داخل في عموم حكم الإباحة ، بشرط أن تكون المرأة أهلاً لها ، مع تقيدها بأوامر الدين وآدابه و ضوابطه .
و الغريب أن الماوردي شرط في كتابه ( الأحكام السلطانية ) الذكورةَ في صحة تقليد الوزارة سواء كانت وزارة تفويض أو تنفيذ ولم يشرطها في الإمامة الكبرى أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة ، ولعمري إن عدم اشتراطه لها سهو في الثانية , لصريح حديث رسول الله في ذلك , كما أن اشتراطه لها ينبغي أن يكون سهواً في الأولى ، إذ هي ليست مشمولة بمضمون الحظر الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم …نعم إن وزارة التفويض يمكن إدخالها اجتهاداً في حكم الإمامة الكبرى ، إذ هو يقصد بها نوعاً من النيابة عن الإمام في القيام ببعض أعبائه ، و القائم بمثل هذه النيابة لا يسمى في اصطلاح هذا العصر وزيراً ، بل يسمى نائباً عن رئيس الجمهورية ، ومن المقبول اجتهاداً أن تأخذ هذه الوظيفة في شرائطها حكم رئاسة الدولة ذاتها . ومثلها وظائف الولاية التي ينوب فيها الوالي عن إمام المسلمين أو رئيس الدولة .
وتبقى الوظائف والمهام السياسية التي هي دون ذلك ، والتي قد تكلف بها المرأة ، مسكوتاً عنها ، وقد علمنا أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة , حتى يرد ما يخالف ذلك من الحظر ، و هذا يعني أن سائر الأنشطة السياسية التي قد تمارسها المرأة مما هو دون رئاسة الدولة ، داخل في عموم حكم الإباحة ، بشرط أن تكون المرأة أهلاً لها ، مع تقيدها بأوامر الدين وآدابه و ضوابطه .
و الغريب أن الماوردي شرط في كتابه ( الأحكام السلطانية ) الذكورةَ في صحة تقليد الوزارة سواء كانت وزارة تفويض أو تنفيذ ولم يشرطها في الإمامة الكبرى أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة ، ولعمري إن عدم اشتراطه لها سهو في الثانية , لصريح حديث رسول الله في ذلك , كما أن اشتراطه لها ينبغي أن يكون سهواً في الأولى ، إذ هي ليست مشمولة بمضمون الحظر الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم …نعم إن وزارة التفويض يمكن إدخالها اجتهاداً في حكم الإمامة الكبرى ، إذ هو يقصد بها نوعاً من النيابة عن الإمام في القيام ببعض أعبائه ، و القائم بمثل هذه النيابة لا يسمى في اصطلاح هذا العصر وزيراً ، بل يسمى نائباً عن رئيس الجمهورية ، ومن المقبول اجتهاداً أن تأخذ هذه الوظيفة في شرائطها حكم رئاسة الدولة ذاتها . ومثلها وظائف الولاية التي ينوب فيها الوالي عن إمام المسلمين أو رئيس الدولة .
ومن الوظائف التي قد تندرج في سلك الوظائف السياسية ، القضاء ، فهي وإن كانت تعنى بتنفيذ الأحكام الشرعية بين المتخاصمين ، إلا أنها من حيث هي جزء من نظام الحكم في الإسلام ، كما تعد جزءاً من البنيان السياسي للدولة .
غير أن العلماء اختلفوا في حكم إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة . فذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فيمن يتولى القضاء ، وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني ، نظراً إلى صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية ، أما في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية الجمهور في اشتراط الذكورة ، نظراً لعدم نفاذ شهادتها في الجنايات ، وأقول : إننا سنتحدث عن حكم شهادة المرأة في هذه الأمور كلها والحكمة من ذلك ، فيما بعد إن شاء الله .
أما ابن جرير الطبري : فذهب إلى جواز إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة مطلقاً ، مستدلاً بأن القضاء مثل الفتوى ، ولما كان إسناد وظيفة الفتوى إلى المرأة جائزاً بالاتفاق ، اقتضى ذلك أن يكون إسناد القضاء إليها أيضاً جائزاً وأن يكون حكمها في شؤون القضاء نافذاً .
وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن بعض المالكية أنهم أطلقوا الحكم أيضاً بجواز إسناد مهام القضاء إلى المرأة ، أي في الجنايات وغيرها …ولكني لم أجد فيما لدي من المراجع وأمهات مصادر الفقه المالكي ما يؤيد هذا النقل .
غير أن العلماء اختلفوا في حكم إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة . فذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فيمن يتولى القضاء ، وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني ، نظراً إلى صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية ، أما في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية الجمهور في اشتراط الذكورة ، نظراً لعدم نفاذ شهادتها في الجنايات ، وأقول : إننا سنتحدث عن حكم شهادة المرأة في هذه الأمور كلها والحكمة من ذلك ، فيما بعد إن شاء الله .
أما ابن جرير الطبري : فذهب إلى جواز إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة مطلقاً ، مستدلاً بأن القضاء مثل الفتوى ، ولما كان إسناد وظيفة الفتوى إلى المرأة جائزاً بالاتفاق ، اقتضى ذلك أن يكون إسناد القضاء إليها أيضاً جائزاً وأن يكون حكمها في شؤون القضاء نافذاً .
وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن بعض المالكية أنهم أطلقوا الحكم أيضاً بجواز إسناد مهام القضاء إلى المرأة ، أي في الجنايات وغيرها …ولكني لم أجد فيما لدي من المراجع وأمهات مصادر الفقه المالكي ما يؤيد هذا النقل .
عن هذا الجانب الذي يضمنه الشارع من حق الحرية للمرأة ، يجب أن نعيد إلى الذاكرة ما قلناه من أن مدار هذه الأحكام التي ذكرناها على شيئين اثنين :
أولهما: أن تتصف المرأة التي ترشح لشيء من هذه الوظائف بالمزايا والمؤهلات التي تضمن أن يكون قيامها بأعباء تلك الوظيفة محققاً للخير الذي يتوخى للمجتمع من ورائها ، وهذا الشرط يلاحظ في حال الرجل كما يلاحظ المرأة .
ثانيهما : أن لا يحملها أعباء تلك الوظيفة على الاستهتار بشيء من الضوابط والآداب الدينية التي ينبغي أن تتقيد بها ، والواقع أن شيئاً من الوظائف المذكورة ، ليس فيها ما يحمل المرأة على التخلي عن شيء من الضوابط الدينية التي يجب أن تتحلى بها ، وإنما كان المجتمع بنظمه وعاداته هو الذي يحمل المرأة ولا يحملها على التخلي عن تلك الضوابط أثناء قيامها بمهام تلك الوظائف .
ولا تنس أننا إنما نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام في مناخ إسلامي صالح ، و ذلك لأن الإسلام إنما يتحمل مسؤولية رعاية الحقوق لأصحابها ، في مجتمع يكون هو المهيمن فيه ، أما المجتمع الشارد عن تعاليمه و إرشاداته ، فليس من المنطق تحميل الإسلام مسؤولية فشل المجتمع في رعاية لقطات جزئية من مبادئه وأحكامه .
أولهما: أن تتصف المرأة التي ترشح لشيء من هذه الوظائف بالمزايا والمؤهلات التي تضمن أن يكون قيامها بأعباء تلك الوظيفة محققاً للخير الذي يتوخى للمجتمع من ورائها ، وهذا الشرط يلاحظ في حال الرجل كما يلاحظ المرأة .
ثانيهما : أن لا يحملها أعباء تلك الوظيفة على الاستهتار بشيء من الضوابط والآداب الدينية التي ينبغي أن تتقيد بها ، والواقع أن شيئاً من الوظائف المذكورة ، ليس فيها ما يحمل المرأة على التخلي عن شيء من الضوابط الدينية التي يجب أن تتحلى بها ، وإنما كان المجتمع بنظمه وعاداته هو الذي يحمل المرأة ولا يحملها على التخلي عن تلك الضوابط أثناء قيامها بمهام تلك الوظائف .
ولا تنس أننا إنما نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام في مناخ إسلامي صالح ، و ذلك لأن الإسلام إنما يتحمل مسؤولية رعاية الحقوق لأصحابها ، في مجتمع يكون هو المهيمن فيه ، أما المجتمع الشارد عن تعاليمه و إرشاداته ، فليس من المنطق تحميل الإسلام مسؤولية فشل المجتمع في رعاية لقطات جزئية من مبادئه وأحكامه .
التعليقات : 0
إرسال تعليق
أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.